إدولحاج


يعود الوجود الأول لقبيلة إدولحاج في المنتبذ القصي، إلى هجرة الحاج عثمان بن محمد اللبان الخزرجي الأنصاري، تلميذ القاضي عياض، والحاج يعقوب الفهري القرشي، والشريف عبد المؤمن بن صالح، هربا من الحملة العسكرية لعبد المؤمن الموحدي على بقايا المرابطين، من سنة 531 هـ إلى 534هـ - 1139م 1146م.

وقد هاجرت برفقة هؤلاء الرجال الثلاثة مجموعات من بقايا المرابطين الفارين من هذه الحملة العسكرية لعبد المؤمن الموحدي.

قدم الحاج عثمان الخزرجي والحاج يعقوب القرشي والشريف عبد المؤمن بن صالح على ودان عام 535هـ، ثم قدم بعد ذلك بسبع سنوات على الحاجين الحاج عبد الرحمن الصائم، ويلتقي نسبه بالحاج عثمان عند يحيى الأغماتي.

ثم قدم عليهم بعد ذلك الحاج أعل، فتزوج بنت الحاج عثمان، فولدت له أوتيد وأبجه، جدي لوتيدات وإيدوبجه.

والحاج أعل من ذرية يحيى بن عمر اللمتوني إبن عم أبي بكر بن عمر اللمتوني سلطان المغرب.

 

نزلوا على وادان وكانت به قبيلتا تفتل وتامكونه، فبنى الحاج يعقوب والحاج عثمان قصر وادان قرب القبيلتين المذكورتين، وهما من بني عم لمتونه، من بقايا مسوفه. وكانت القبيلتان تسكنان في "ترغ بيات" و "لكصر الخالي" قرب وادان.

أما إدولحاج تيمبكتو فهم أبناء عمومة تفتل وتامكونه، ومنهم الأوقيتيون المشهورون بالعلم من قديم الزمان، ومنهم محمد بن عمر جد آل ألفغ محمود، أئمة وادان وقضاته الذين نال منهم آل محمد بن الحسن الإمامة في وادان، ومنهم أحمد باب بن أحمد المسك بن أحمد بن محمد "أوقيت" بن عمر الصنهاجي، المعروف بأحمد باب التمبكتي.

 

وكان الحاج عثمان قد خرج من أغماته في المغرب مع رفيقه في الدرس على القاضي عياض ورفيقه في السفر الشريف عبد المؤمن، الذي أسس مدينة تيشيت، وكان الحاج عثمان توفي في تيشيت.

 

تنقسم بطون إيدولحاج إلى ستة بطون، وقد بدأ نزوح إدولحاج باتجاه بلاد الگبلة مع القرن التاسع للهجرة، 15 الميلادي. وشملت أفواجا من قبائل مسوفة المرتبطة بهم، نزحوا إلى عاصمة گنار تيگماطين، ومنهم من عبر نهر السينغال.

تعرف الفروع المنحدرة من إدوالحاج في السنغال "بسوكوفاره، ودرمنكور".

وفي الگبلة أسس إدوالحاج زعامة دينية ودنيوية مشهورة، بنوها على ما كان عليه الأنصار من الإيثار وبذل المهج.

يقول العلامة المختار بن باب بن حمدي الحاجي:

أول حاجي هنا قد وجدا:: أبوهم النجيب نجل أحمدا
سليل شمس الدين نجل أمحمد :: سلالة الحاج بن قاسم الندي 
وهو بن شمس الدين ذاك النجيب :: محمد بن المرتضى الأتقى الأريب 
من الذين أسسوا ودانا :: سلالة الحاج الرضا عثمانا 


وبعد أن استقر آل النجيب في منطقة الگبلة "اترارزة"، وصار لهم مكان وذكر بين الناس، وفدت عليهم عائلات من جميع بطون إدولحاج من أبناء إبراهيم بن الحاج.

كانت لإدولحاج محلتهم الخاصة بهم وقد اشتركوا بها مع معسكر الإمام ناصر الدين في مهاجمة مملكة الوالو وقتل ملكها افارا كومبا خلال حرب شرببه، وكان لهم ميناء خاص بهم للتبادل التجاري مع الأوروبيين يدعى ميناء تكشكمبه، لا سلطة لأي أحد عليه غيرهم، وقد وقعوا أول اتفاقية تجارية به مع الفرنسيين سنة 1686م. وقعها الشمس (الرئيس) المختار بن الأمين بن النجيب الحاجي، وكان عمه أشفغ أوبك بن النجيب الذي هو أول من نظم بيع العلك للإنجليزي بمحطة تكشكمبه، بل أول من نظم هذه التجارة مع الأوربيين في البلاد على الإطلاق، حسب ما ترويه التقاليد الشفهية المتداولة.

وذلك أن الأمين بن النجيب سافر إلى المغرب فزودته أمه بشيء من العلك وأوصته أن يمتص منه ثلاث علكات بعد كل طعام، ثم خرج إلى بعض الشواطئ الأوربية، فنزل على قوم  أوربيين، فأكل عندهم طعاما تضرر به رفيق له، وسلم هو، فسأله أولئك القوم عن شأنه، فأخبرهم بأكله العلك، فسألوه أين يوجد ؟ فقال: في منطقة الگبلة.

وكتب لهم إلى أخيه أشفغ أوبك وكان ذلك بداية تجارة العلك. وكان أشفغ أوبك من أوائل من بدأ المبادلة مع الأوربيين وتجارة العلك على شواطئ المحيط الأطلسي ونهر السنغال، حتى تعرفت الدول الأوربية على هذه السلعة الاستراتيجية آنذلك، فدخلت في تنافس شرس على تجارة العلك أدى إلى حروب طاحنة بين هذه الدول وتبادل للسيطرة على الشواطئ الأطلسية وشواطئ نهر السنغال،.

 

وقد انتهت السيطرة البرتغالية على مناء آركين "آكادير دوم"، كما ظهر الوجود الفرنسي في " كت أندر" سنة 1638م، الذي أطلقوا عليه اسم: سانت لويس.

 

مارس إدولحاج التبادل التجاري على الشواطئ الموريتانية مع السفن الأوربية وذلك منذ بداية القرن الحادي عشر ونهاية القرن السادس عشر.

وكانت أول اتفاقية تجارية مكتوبة هي اتفاقية إدولحاج مع الفرنسيين سنة 1686م، التي وقعها الشمش رئيس إدولحاج، المختار بن الأمين، في عهد الأمير السيد بن هدي بن أحمد بن دامان الأمير الثالث لاترارزة.

تواصلت هذه الاتفاقيات التجارية بين رؤساء إدولحاج والسفن الأوربية في عهد كل أمراء اترارزة، حتى الأمير السادس عشر اعل بن محمد لحبيب.

وقد توالى على قبيلة إدولحاج عدد من الرؤساء تلقبوا بالشمش، وكان أول رؤساء إدولحاج: أشفغ أوبك "أبو بكر" بن النجيب بن شمس الدين، ومنهم أمحمد بن باب الشمش المتوفى سنة 1799م، والذي وقع اتفاقية تجارية مع الفرنسيين بتاريخ 1772م في عهد إمارة الأمير أعل الكوري بن أعمر بن أعل شنظورة، التي قرر فيها إجراءات بروتوكلية يعامل بها رؤساء إدولحاج أثناء إقامتهم في المرفأ أيام الموسم.

وقد قرر فيها ما يلي:


إذا جاء رؤساء إدولحاج إلى إدارة الشركة فلهم في ضيافتهم كل يوم 12 مدا من الحب؛ 6 حقق ميلاص؛ قنينتا خل وشاة ذبيحة، أو ما يعدلها من لحم البقر؛ صندولان وقدر كاف من الحطب.


إذا رحل رؤساء إدولحاج فلهم 30 بيصة ميلس؛ 30 طستا من النحاس أو قيمته؛ 30 مقصا و30 مرآة و30 حقة قرنفل و30 موسى و30 مشطا و30 قفلا و30 يدا من الكاغذد و30 بارا من الحديد.


إذا أرست السفينة فلهم عند وزن القنطار الأول من العلك بعد إطلاق المدفعية لتحيتهم، وإعلان الموسم عشرين بيصة ميلس، و5 مدافع بوفمين و 20 مدفعا بفم واحد و5 عمامات من الملف الأحمر ، و10 بيصات بيض ، و20 بارا من الحديد "أقدام" وخمس حقق ميلاص ،و10 بارات و 4 مدة مكثهم في الموسم.


يعطون لمعاشهم كل يوم 40 مدا من الحب وشاة الموسم ، ويعطون 30 بيصة ميلس ،5 عمائم شاش 10 مترات و 6 عند الوداع، تطلق المدفعية ويعطون 20 بيص ميلس.


وكان إدولحاج يمارسون الزراعة الموسمية في منطقة "الذراع" وكذلك في منطقة "شمامه"، وقد مكنهم من ذلك اتساع الرقعة الترابية التي يمتلكونها في منطقة الكبلة، والمحصورة بإكيدي شرقا وآفطوط الساحلي غربا والعريه شمالا إلى شمامه جنوبا، التي كانت تقع فيها محطتهم التجارية.

كما مارسوا زراعة الهبيد في "الذراع" وكذلك العدس والدخن في شمامه.

وأدت الزراعة والتبادل التجاري مع الأوربيين إلى طفرة اقتصادية تمتع بها إدولحاج، فكانت من العوامل التي دعمت مكانتهم الاجتماعية في منطقة الكبلة  بالإضافة إلى المكانة العلمية.

وقد ساد إدولحاج في جميع المناطق التي هاجروا إليها من ودان كالسنغال وكنار تيكماطين والكبلة، وكذلك بلاد الركيبه التي قدم إليها الزعيم العلامة الصالح لمرابط سيدي محمود بن الطالب المختار الحاجي من ودان في ثمانينات القرن الثاني عشر للهجرة، بسبب صراع الإمامة في ودان، فأخذ عن العالمين الجليلين الطالب جدو بن نختيرو بن الطالب مصطف القلاوي، والشيخ سيدي الأمين بن حبيب الجكني الذي زوجه ابنته.

واشتهر لمرابط سيدي محمود بالصلاح فأقبل عليه الناس وانخرط في سلكه كثير من أهل المنطقة من إيدوعيش ومشظوف وأولاد امبارك وأولاد الناصر وأولاد داود وإيرالن، وعائلات من تجكانت ومسومه وتاگاط وتندغه وغيرهم. وشملت دولتهم الركيبه وتكانت وآفطوط.

 

ومن شخصيات إدولحاج العلمية التي أثرت المعارف في المنتبذ القصي: العلامة محمد بن أبي بكر الحاجي الوداني، وهو من أوائل المؤلفين في المنتبذ القصي، له شرح مختصر الشيخ خليل: "موهوب الجليل شرح مختصر خليل".

ومنهم: سيدي أحمد الفزاز بن محمد بن يعقوب الحاجي الوداني، أول من أدخل شرح الحطاب إلى ودان، أخذه بالسند المسلسل إلى الحطاب عن أحمد المسكه والد الشيخ أحمدو بابا التنبكتي، وسيدي أحمد بوالاوتاد الحنشي التيشيتي، أول من أتى بمختصر خليل إلى تيشيت ودرسه فيها، ولقي أثناء سفره إلى الحج الخرشي شارح خليل، واستدرك عليه أربعين مسألة في شرحه.

ومنهم: العلامة السالك بن الإمام بن محمد بن الحسن الحاجي الوداني، العالم الجليل والشيخ الصوفي وإمام مسجد ودان، أخذ الطريقة التيجانية عن الشيخ سيدي أحمد التجاني مباشرة بلا واسطة، وكان قدم من المنتبذ القصي مع أخيه أحمد سالم بن الإمام متوجهان إلى الحج وإليهما يشير الشيخ محمد المامي بقوله في نونيته الوافرية، يذكر من يصلحون للإمامة:


وآل الحاج أنصـار كـرام :: إلى أولاد جفنة ينسبـــونا 
وأحمد سالم منهم ومنهم :: أخوه سالك في السالكينا


وقد استدرك العلامة السالك على العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي ثلاثمائة مسألة من تأليفه في البيان "عروس الأفراح"، وسمع بذلك فسلم جميعه لسعة باعه. وكان السالك لا يدرس في البيان إلا بذلك التأليف إعجابا به من بين كتب البيان الوافرة في وادان.


نقلا عن صفحة الكاتب: إكس ولد إكس إكرك

آخر تحديث: 21-03-2015 | 23:30

حرره

عبد الله الخليل

قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى

قصص ذات صلة

وقفة مع التراث (رياضات شعبية 1)

الإعلان في نواكشوط عن وفاة الباحث جدو ولد اعلي

نواكشوط تستحضر عطاء أحد أعلام شنقيط بالمشرق العربي

فيديو الأسبوع