(نواكشوط – تكنت) -أطلق تقرير محكمة الحسابات (2022–2023) صفارة إنذار قوية بشأن الوضع الكارثي داخل الشركة الموريتانية للكهرباء (صوملك)، التي وصفها التقرير بأنها «مثال صارخ على سوء التسيير وتآكل الرقابة وفوضى العقود»، مؤكدًا أن الخسائر المالية التي تتكبدها الشركة سنويًا تهدد استقرار المنظومة الطاقوية في البلاد.
وجاء في التقرير – الممتد من الصفحة 147 إلى 168 – أن صوملك تمثل «ثقبًا أسود في المالية العمومية»، بسبب تراكم الديون، وضياع الإيرادات، وتفاقم العجز التقني في شبكة الكهرباء الوطنية.
عجز مالي متفاقم وتبخر في الإيرادات
ووفقًا للتقرير، فقد بلغ العجز المالي لصوملك مستويات مقلقة نتيجة ضعف تحصيل فواتير الزبناء وتدني أداء الرقابة الداخلية.
وأشار التقرير إلى أن «نسبة الفاقد من الطاقة الموزعة تجاوزت 33%» خلال الفترة المشمولة بالتدقيق، أي ما يعادل عشرات المليارات من الأوقية سنويًا تضيع بين السرقة والأعطال وسوء التسيير.
ولفتت المحكمة إلى أن الشركة لا تمتلك نظامًا دقيقًا للجرد المحاسبي، وأنها «تعتمد أحيانًا على تقديرات يدوية لتحديد الطاقة المستهلكة»، وهو ما وصفه التقرير بأنه «خلل بنيوي يجعل الموازنة عرضة للتلاعب والتضخيم».
وفي جانب الإيرادات، سجل التقرير فوضى في إدارة الحسابات البنكية، إذ تبيّن أن عددًا من حسابات الشركة لا يُصرّح بها بانتظام، وأن التحويلات المالية بين المقر المركزي والفروع تفتقر إلى تتبع دقيق.
صفقات مشبوهة وغياب الرقابة
وفي باب الصفقات (ص. 153–157)، كشفت محكمة الحسابات أن الشركة منحت عقودًا ضخمة بطريقة تفاهم مباشر دون مبررات قانونية، كما تم تجزئة بعض الصفقات عمدًا للالتفاف على قانون الصفقات العمومية.
وسجّل التقرير أن بعض الموردين حصلوا على دفعات مسبقة تفوق نسب الأشغال المنجزة فعليًا، ما يشير إلى تواطؤ داخلي وضعف في المتابعة التقنية والمالية.
ولاحظ التقرير أن اللجان المكلفة بفتح العروض وتحليلها تضم موظفين لا علاقة لهم بالمجال الفني أو القانوني، ما يطرح شبهة في نزاهة عمليات الاختيار والتقييم.
عمال مؤقتون وكتلة أجور غامضة
من أكثر النقاط إثارة في التقرير ما يتعلق بالموارد البشرية، فقد رصدت المحكمة (ص. 159–162) اكتتاب مئات العمال المؤقتين دون مساطر شفافة أو موافقات مكتوبة، وتبيّن أن عددًا منهم يتقاضى أجورًا غير مبررة أو لا يؤدون مهامًا فعلية.
كما أكدت أن كتلة الأجور «تضخمت دون مبرر اقتصادي»، وأن الشركة «تسدد رواتب لموظفين غير مدرجين في القوائم الرسمية»، ما يمثل «ممارسات خطيرة تمس نزاهة المال العام».
خسائر تقنية ومالية بلا سقف
وفي المحور المتعلق بالبنية التقنية (ص. 163–166)، بيّن التقرير أن صوملك تعاني من أعطال متكررة في محطات التوزيع والتحويل، وأنها لم تجرِ الصيانة الدورية على أغلب تجهيزاتها منذ سنوات.
كما لاحظت المحكمة أن خطة تحديث الشبكات الكهربائية ظلت حبرًا على ورق، وأن المشاريع الممولة خارجيًا تتأخر باستمرار بسبب ضعف الكفاءة في التنفيذ.
وأشار التقرير إلى أن الشركة تعتمد على حلول ترقيعية لمعالجة الأعطال، ما يؤدي إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي تكلف الدولة والمستهلكين خسائر باهظة.
توصيات قاسية.. إصلاح أو انهيار
وفي ختام ملاحظاتها (ص. 167–168)، أوصت محكمة الحسابات بضرورة إعادة هيكلة الشركة بالكامل إداريًا وماليًا، وإطلاق نظام رقمي موحد لتحصيل الفواتير وتتبع الطاقة الموزعة، ووقف الاكتتابات غير القانونية وإعادة تدقيق كتلة الأجور، وفرض رقابة صارمة على الصفقات والمشتريات، وإجراء تدقيق خارجي مستقل حول الخسائر الفنية والمالية.
وأكد التقرير أن استمرار الوضع الحالي «سيقود إلى إفلاس فعلي للشركة، ويهدد استدامة الخدمات الحيوية للمواطنين».
وتسلّم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني التقرير رسميًا في 8 أكتوبر الجاري من رئيس محكمة الحسابات حميد أحمد طالب، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة ستتخذ إجراءات عملية لوقف النزيف المالي داخل صوملك أم ستظل الأزمة تتفاقم في صمت.
المصدر: تقرير محكمة الحسابات 2022–2023 | الصفحات 147–168
هاشتاك الفساد محكمة الحسابات
قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى