محكمة الحسابات: سوء التسيير وهدر الموارد ضرب قطاع الصحة الموريتاني

(نواكشوط – تكنت) - كشف تقرير محكمة الحسابات (2022–2023) عن اختلالات عميقة في تسيير وزارة الصحة، شملت الصفقات العمومية، وتوزيع المعدات، وبرامج التمويل، والمشتريات الطبية، إضافة إلى سوء استخدام الموارد العامة وضعف الرقابة الداخلية.

وجاءت هذه الملاحظات في الصفحات من 126 إلى 146 من التقرير، الذي صنّف القطاع الصحي ضمن أكثر القطاعات عرضة لسوء التسيير وغياب الشفافية خلال العامين محل التدقيق.

نفقات غير مطابقة وتفاهمات خارج القانون

وأبرز التقرير أن الوزارة نفذت نفقات عديدة لا تطابق تبويبها المالي (ص. 126–127)، إذ أُدرجت تجهيزات ومعدات ضمن بنود مختلفة عن مخصصاتها الأصلية، ما يُضعف دقة المحاسبة العمومية.

كما سجّلت المحكمة لجوء الوزارة إلى صفقات تفاهم مباشر دون توفر الشروط القانونية (ص. 128)، واستخدام آلية التسديد الفوري في عمليات الشراء “بشكل غير مشروع” ودون مبرر.

وأشار التقرير إلى أن بعض الطلبات تأخّر تسليمها لشهور طويلة، مع غياب تطبيق غرامات التأخير المفروضة في دفاتر الشروط.

برنامج “أولوياتي الموسع” تحت المجهر

وخصص التقرير محورًا كاملاً لبرنامج “أولوياتي الموسع PROPEP” (ص. 131–133)، الذي كان من المفترض أن يساهم في تحسين الخدمات الصحية في المناطق الهشة، لكنه تحول – بحسب المحكمة – إلى نموذج مصغر للاختلال الإداري.

وسجل التقرير وجود ضعف في التخطيط، ونقص في وثائق التعويض المقدمة من الوحدات الصحية، وغياب تحديد دقيق للفئات المستهدفة، مشيرا إلى أن قوائم أسعار الخدمات المقدمة للحوامل غير موحدة بين المراكز الصحية، مما تسبب في تباينات كبيرة في التعويضات.

وعن عملية التسديد، فقال إنها كانت “بطيئة للغاية”، حيث تأخرت مستحقات الوحدات الصحية لشهور طويلة دون تفسير واضح من الجهات المشرفة.

صفقة الأدوية مع “ROCHE” تثير الجدل

وكشف التقرير عن اختلالات خطيرة في اتفاقية توريد الأدوية مع مختبر ROCHE السويسري (ص. 134–136)، حيث غابت آلية واضحة لتوثيق عمليات الاستلام والتوزيع، ولم تُوجد قاعدة بيانات دقيقة للكميات المستلمة أو المنصرفة.

ولاحظت المحكمة غياب سلسلة التبريد الضرورية لحفظ الأدوية الحساسة، وتأخر تسديد الفواتير المستحقة للمورد، مما أدى إلى اضطراب الإمدادات الدوائية في بعض المؤسسات الصحية.

ووصف التقرير هذه الصفقة بأنها “مثال على غياب الشفافية وضعف التتبع المحاسبي في قطاع حساس تمس نتائجه صحة المواطنين مباشرة”.

ملف السلامة الطرقية والمعدات الطبية

وفي محور آخر (ص. 137–141)، تناول التقرير مشروع السلامة الطرقية والمعدات الطبية الممول من ميزانية الدولة، موضحًا أن المساكن المتنقلة التي اقتُنيت لإيواء وحدات الإسعاف غير صالحة للاستخدام الميداني.

كما سجلت المحكمة غياب بعض التجهيزات المرافقة لسيارات الإسعاف، ومعوقات تحد من قدرة الوحدات على التدخل السريع.

وفيما يخص محطات توليد الأكسجين، أشار التقرير إلى أنها لا تناسب الظروف المناخية للبلاد، وبعضها لا يلبي احتياجات المؤسسات الصحية فعليًا، فضلًا عن أعطال متكررة.

أما أجهزة تصفية الكلى، فشملها كذلك سوء التسيير، من صفقات مباشرة دون منافسة، وتجاوز للآجال القانونية، إلى استخدام غير مطابق في بعض المستشفيات.

نفقات غير مستحقة وضعف في الصيانة

وسجّلت المحكمة (ص. 143–145) تسديد نفقات لا تخص الوزارة، وعقود صيانة للمعدات الطبية في مستشفيات نواكشوط وروصو وكيهيدي وكيفة تمت من دون منافسة حقيقية.

كما تبيّن -بحسب التقرير- أن بعض الأجهزة المتعاقد على صيانتها متعطلة منذ فترة طويلة، وأن التنسيق بين الإدارات المعنية بمتابعة العقود شبه غائب.

التوصيات: إصلاح جذري للحوكمة الصحية

في ختام ملاحظاتها (ص. 146)، دعت محكمة الحسابات إلى توحيد معايير التبويب والمراقبة المالية في القطاع، ووقف الصفقات المباشرة غير المبررة واعتماد المنافسة، إضافة إلى تحديث نظام تتبع الأدوية والمعدات عبر قاعدة بيانات رقمية مركزية.

كما دعت إلى تسريع تعويض الوحدات الصحية وتحسين تخطيط البرامج الوطنية، وتعزيز الرقابة الداخلية لضمان الاستخدام الرشيد للموارد العمومية.

وأكد التقرير أن “الخلل في قطاع الصحة لا يتعلق فقط بسوء التسيير المالي، بل بغياب رؤية مؤسسية تضع المريض في قلب السياسات العمومية”.

وجاءت هذه الاختلالات في فترة تولي الوزير المختار ولد داهي حقيبة وزارة الصحة، وهي المرحلة التي شملها التدقيق.

وقد تسلّم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني التقرير رسميًا في 8 أكتوبر الجاري من رئيس محكمة الحسابات حميد أحمد طالب، ما يثير تساؤلات حول الإجراءات الإصلاحية المنتظرة في هذا القطاع الحيوي.

المصدر: تقرير محكمة الحسابات 2022–2023 | الصفحات 126–146

آخر تحديث: 10-10-2025 | 04:44

حرره

عبد الله الخليل

قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى

قصص ذات صلة

محكمة الحسابات: صوملك تواجه انهيارا ماليا وفسادا ممنهجا

موريتانيا: وثيقة رسمية تكشف شبكة فساد داخل أبرز قطاعات ثروة البلاد

إطلاق مجموعتين برلمانيتين لتعزيز الشفافية في موريتانيا

فيديو الأسبوع