(نواكشوط – تكنت) - كشف التقرير العام السنوي لمحكمة الحسابات (2022–2023) عن شبكة واسعة من الاختلالات والفساد الإداري والمالي داخل وزارة البترول والمعادن والطاقة، شملت جميع قطاعاتها تقريبًا، من المحروقات الخام والمكررة إلى المعادن والطاقة الريفية وتسيير الميزانية.
التقرير الذي جاء في أكثر من 370 صفحة، أفرد ما يزيد على 50 صفحة (من الصفحة 76 إلى 125) لهذا القطاع وحده، واعتبر أن حجم التجاوزات فيه يجعله من أكثر القطاعات انكشافًا أمام شبهات الفساد وسوء التسيير في الدولة.
عقود تنقيب دون شفافية
ورصدت المحكمة، في القسم المخصص للمحروقات الخام (ص 78–85)، نواقص خطيرة في إبرام عقود التنقيب والاستغلال، أبرزها عدم احترام المساطر القانونية للتفاوض مع الشركات الأجنبية، وغياب الشفافية في تحديد الالتزامات المالية والفنية.
كما سجل التقرير ضعف متابعة التزامات المشغلين في مجالات التكوين ونقل الخبرة، وعدم تفعيل الحساب الخاص المخصص لمساهماتهم في تدريب الكوادر الموريتانية في المهن النفطية، مشيرا إلى أن العديد من التقارير التي تقدمها الشركات المشغلة ناقصة أو غير موقعة، مما يعطل رقابة الدولة على ثروة البلاد النفطية، في حين تعاني الإدارة المكلفة بالمحروقات من عجز بشري وتقني حاد يحول دون المتابعة الميدانية المنتظمة.
رخص بلا شروط وسوق وقود فوضوي
أما في قطاع المحروقات المكررة (ص 85–94)، فأشار التقرير إلى أن أغلبية أصحاب رخص استيراد المحروقات السائلة لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة قانونًا، وأن بعض الرخص الممنوحة تم منحها دون تقييم كفاءة المستوردين الفنية والمالية.
كما كشفت المحكمة عن خروقات في رخص توزيع الغاز وتعبئته، وقصور في رخص التخزين التي يفترض أن تراعي معايير السلامة والأمن الصناعي، مؤكدة أن “هذا الوضع يهدد أمن التزويد الوطني بالمحروقات، ويعرض حياة العاملين والمستهلكين للخطر بسبب غياب الرقابة الفنية والاحترازية”.
تعدين بلا بيئة ولا رقابة
وفي المحور المتعلق بالمعادن (ص 95–112)، سجلت المحكمة مخالفات متكررة في العقود الموقعة مع الشركات العاملة، خاصة تلك المتعلقة بالتربة السوداء والسواحل، التي منحت دون احترام التقييم البيئي المطلوب.
وأشار التقرير إلى أن معظم الشركات تأخرت عن بدء الإنتاج رغم حصولها على رخص استغلال، وأن بعضها لم يسدد الإتاوات المقررة أو عائدات الشوائب المعدنية، كما في حالة شوائب الفضة المختلطة بالذهب.
واتهم التقرير شركة تازيازت موريتانيا المحدودة بعدم احترام مخطط “مرتنة الوظائف”، أي تشغيل الكفاءات الوطنية في المناصب العليا.
وانتقد التقرير ضعف نظام الرقابة على المقالع، وعدم تطبيق العقوبات بحق الأنشطة غير المرخصة، مما سمح بتوسع التعدين العشوائي على حساب البيئة والمزارع.
صندوق كهربة الريف خارج الخدمة
وفي جانب الطاقة (ص 112–115)، لاحظت المحكمة أن القطاع يفتقر إلى سياسة واستراتيجية واضحة تحكم تدخلاته، وأن اختيار المشاريع المنفذة يتم دون معايير موضوعية.
كما أكدت أن صندوق كهربة الريف لم يتم تفعيله رغم الحاجة الماسة له في المناطق الداخلية، وأن الوزارة لم تلتزم بالتشريعات الخاصة بالصفقات العمومية في بعض مشاريع الاستثمار.
حسابات غير قانونية ونفقات بلا رقابة
أما على مستوى تسيير ميزانية الوزارة (ص 115–121)، فقد كشفت المحكمة عن اختلالات عميقة في حساب دعم قطاع المحروقات المكررة، حيث تم تسديد أغلب النفقات من هذا الحساب بشكل غير مستحق.
وأشارت إلى غياب الرقابة الداخلية في عمليات الاقتناء، وتعيين غير قانوني لوكيل المحاسبة ومفوض الحسابات، بالإضافة إلى سوء تسيير صناديق السلفة التي سُددت منها نفقات لا تمت بصلة لمهامها.
ورصد التقرير كذلك تجاوزات في الصلاحيات من طرف المدير العام للمعادن، وعقد محاباة في صيانة مباني الوزارة، فضلًا عن تأخر في أشغال بناء مبنى مراقبة المشغلين.
التوصيات.. مراجعة شاملة وإصلاح هيكلي
ودعت محكمة الحسابات في توصياتها (ص 123–125) إلى إعادة تنظيم قطاع المحروقات والمعادن والطاقة على أسس شفافة، وتفعيل الرقابة الداخلية والمحاسبية في الوزارة، إضافة إلى نشر العقود النفطية والمعادن للعموم تحقيقًا لمبدأ الشفافية. وشددت على تسوية أوضاع الحسابات الخاصة وصناديق السلفة، وتسريع إنشاء قاعدة بيانات رقمية تشمل الرخص، والمشغلين، والإيرادات.
واعتبرت المحكمة أن هذه الإجراءات “أساسية لضمان حماية الموارد الوطنية من سوء الاستغلال وتحقيق الحوكمة الرشيدة في قطاع يعد من أعمدة الاقتصاد الوطني”.
وجاءت هذه الخروقات في فترة تولي عبد السلام ولد محمد صالح حقيبة وزارة البترول والمعادن والطاقة، وهي المرحلة التي شملها التقرير المالي والرقابي لمحكمة الحسابات بين عامي 2022 و2023.
وقد تسلّم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني التقرير رسميًا في 8 أكتوبر الجاري من رئيس محكمة الحسابات حميد ولد أحمد طالب، في خطوة تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول الإجراءات المنتظرة لتصحيح هذا الخلل البنيوي ومحاسبة المتورطين في سوء التسيير داخل واحد من أهم قطاعات الاقتصاد الوطني.
هاشتاك الفساد تقرير محكمة الحسابات
قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى